قال الجوهري: "الحق: خلاف الباطل، والحق: مفرد الحقوق "[1].
وقال الفيروز آبادي: "الحق: من أسماء الله تعالى أو من صفاته، والقرآن، وضد الباطل، والأمر المقضي، والعدل، والإسلام، والمال، والملك، والموجود الثابت، والصدق، والموت، والحزم، وواحد الحقوق"[2].
وقال المناوي: "الحق لغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره"[3].
تعريف الحقوق اصطلاحاً :
الحقوق لها معنيان أساسيان:
1- فهي أولاً تكون بمعنى: مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل الإلزام علائق الناس من حيث الأشخاص والأموال.
فهي بهذا المفهوم قريبة من مفهوم خطاب الشارع المرادف لمعنى (الحكم) في اصطلاح علماء الأصول، أو لمعنى (القانون) في اصطلاح علماء القانون.
وهذا المعنى هو المراد عندما نقول مثلاً: الحقوق المدنية، أو القانون المدني.
2- وهي ثانياً تكون جمع حق بمعنى السلطة والمكنة المشروعة، أو بمعنى المطلب الذي يجب لأحد على غيره.
وهذا هو المراد في مثل قولنا: إن للمغصوب منه حق استرداد عين ماله لو قائماً، وأخذ قيمته أو مثله لو هالكاً، وإن للمشتري حق الرد بالعيب، وإن التصرف على الصغير هو حق لوليه أو وصيه ونحو ذلك.
ويمكن تعريف الحق بمعناه العام بأن يقال: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفاً[4].
- هل هذه الحقوق مستحقة للإنسان أم هي من تفضل الله تعالى؟
قال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ} [الروم:47].
قال ابن كثير: "أي" حق أوجبه على نفسه الكريمة تكرماً وتفضلاً"[5].
وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ} [الأنعام:54].
قال القرطبي: "أي: أوجب ذلك بخبره الصادق ووعده الحق"[6].
وقال ابن كثير: "أي: أوجبها على نفسه الكريمة تفضلاً منه وإحساناً وامتناناً"[7].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول: لا معنى للاستحقاق إلا أنه أخبر بذلك ووعده صدق، ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقاً زائداً على هذا كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ}.
ولكن أهل السنة يقولون هو الذي كتب على نفسه الرحمة، وأوجب هذا الحق على نفسه، لم يوجبه عليه مخلوق، والمعتزلة يدّعون أنه واجب عليه بالقياس على الخلق، وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين له، وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب، وغلطوا في ذلك، وهذا الباب غلطت فيه القدرية والجبرية أتباع جهم والقدرية النافية".
وقال ابن القيم: "وقد أخبر سبحانه عن نفسه أنه كتب على نفسه وأحق على نفسه، قال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ}، وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ}، وقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ} [التوبة:111]، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ((أتدري ما حق الله على عباده؟)) وفيه: ((أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟))[8]، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في غير حديث: من فعل كذا كان على الله أن يفعل به كذا وكذا في الوعد والوعيد، ونظير هذا ما أخبر سبحانه من قسمه ليفعلن ما أقسم عليه كقوله: {فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:92]، {فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَـٰطِينَ} [مريم:68]، وقوله: {لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} [إبراهيم:13]، وقوله: {لأمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:85]، إلى أمثال ذلك من صيغ القسم المتضمن معنى إيجاب المقسِم على نفسه أو منعه نفسَه، وهو القسم الطلبي المتضمن للحظر والمنع، بخلاف القسم الخبري المتضمن للتصديق والتكذيب، قالوا: وإذا كان معقولاً من العبد أن يكون طالباً من نفسه فتكون نفسه طالبة منها لقوله تعالى: {إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِٱلسُّوء} [يوسف:53]، وقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ} [النازعات:40]، مع كون العبد له آمر ونهاه فوقه، فالرب تعالى الذي ليس فوقه آمر ولا ناهٍ كيف يمتنع منه أن يكون طالباً من نفسه فيكتب على نفسه، ويحق على نفسه، ويحرم على نفسه؟! بل ذلك أولى وأحرى في حقه من تصوره في حق العبد، وقد أخبر به عن نفسه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، قالوا: وكتابة ما كتبه على نفسه وإحقاق ما حقه عليها متضمن لإرادته ذلك ومحبته له ورضاه به وأنه لا بد أن يفعله، وتحريمه ما حرمه على نفسه متضمن لبغضه لذلك وكراهته له وأنه لا يفعله، ولا ريب أن محبته لما يريد أن يفعله وبغضه له يمنع وقوعه منه مع قدرته عليه لو شاء، وهذا غير ما يحبه من فعل عبده ويكرهه منه، فذاك نوع وهذا نوع، ولما لم يميز كثير من الناس بين النوعين وأدخلوهما تحت حكم واحد اضطربت عليهم مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، وبهذا التفصيل سفر لك وجه المسألة وتبلج صبحها"[9].